الطايح والطحطوح- حكايات من المزرعة، التبغ، والفراق

المؤلف: علي بن محمد الرباعي09.23.2025
الطايح والطحطوح- حكايات من المزرعة، التبغ، والفراق

ذات يوم، اقترح (الطايح) على أخيه (الطحطوح)، أن يتسابقا في مهمة شيقة، قائلاً: "يا أخي، من يجلب لي أولاً باقة عطرية تفوح منها رائحة الريحان الزكية من حقيبة (ريحان) مع نعناع الأرملة العطرة، فله جائزة قدرها قرشين فضيتين". فما كان من (الطحطوح) إلا أن ردّ بحدة: "أنت تطلب المستحيل! والله، لولا أنني أخشى أن أتلطخ بمسارك المليء بالمخاطر، لأعلمن عليك". فما كان من (الطايح) إلا أن ردّ بثقة: "سوف أسير وأجلبها، وعيناك تشهدان". فما كان من (الطحطوح) إلا أن ضرب بيمينه على رقبته، مع ثلاثة أصابع من كفه الأيمن، دليلًا على عدم خوفه منه، وقال: "تراك مكشوف الظهر، وكل إنسان يحمل عيبه فوق ظهره".

وكانت الجدة قد أوصت والدهما (مطنوخ) بأن يعتني بزوجته (المخورة) ويحسن معاملتها، قائلة: "لا تجعلها تصفع الباب في وجه من يأتي بالرزق، ولا تغلقوا بيتنا بعد صلاة الفجر". وأضافت الجدة بحكمة: "وصّوا سفانك الخطلان، فوالله، لو جاء الرزق صباحًا ووجد الباب مغلقًا، فلن تحصلوا إلا على الرماد في أنوفكم". وكان الوالد، مراعاة لأمه وخوفًا من غضب زوجته، يرد عليها بصوت خفيض: "ابشري بسعدك".

أيقظت زوجة (مطنوخ) ابنها (الطايح) من نومه العميق، ففرك عينيه المتعبتين بباطن كفه، وسألها عن أخيه (الطحطوح)، فأجابته: "لقد انطلق مع أول خيوط الفجر، بينما أنت لا تزال غارقًا في نومك، يا كسول". وكعادته، بدأ (الطايح) يسرد على أمه حلمًا رآه في المنام ليضيع الوقت، وبينما هما يتحدثان، كان باب البيت مفتوحًا، فتسللت العنز الوالد إلى الداخل، وتوجهت صوب طشت الطحين، وانغمست فيه. وما توقف الحلم إلا بصراخ الجدة: "ألحقي طحينك، لقد طحنوه!". وعندما التفتت الأم، رأت فم العنز الأسود متلطخًا بالبياض، وإذا بجدته تهددها قائلة: "يا ويلي، متى يعود ابني لأخبره بكل صغيرة وكبيرة؟". فردت الأم: "أخبريه، ألستِ أنتِ من قلتِ اتركي الباب مفتوحًا لمن يأتي بالرزق؟".

تناول (الطايح) كفكيرة الشاي وفنجالين، مع لقمة من السكر مخلوطة بورق الشاي، وشريحة صغيرة من خبز الذرة. وكان يعاتب أمه على تفضيلها للذرة التي لا يحبها، فقالت له: "كله نعمة يا ولدي". فرد: "تتفتت ولا تنضغط". وأوصته أمه بأن لا يكسروا الفناجيل فيغضب والدهم، وأن يملؤوا برادهم من الكظامة، وألا يقتربوا من البئر. وبمجرد وصوله إلى المزرعة، وجد (الطحطوح) يطارد الطيور بالمرجمة، فناوله ما في يديه، واستلقى تحت ظل شجرة العرعر الوارفة.

رش (الطحطوح) البراد بالماء لتبريده، وتناول عنقودًا من العنب الشهي، وحاول إيقاظ أخيه، فلم يرد عليه إلا بقوله: "تناول فطورك واترك لي بعضًا لأنعم بنوم هانئ". واستغرق (الطايح) في نومه ساعات طويلة، ثم استيقظ في الضحى، وطلب من أخيه أن يحضر له البراد، فارتشف ما تبقى من الشاي، وتناول قرص الذرة مع حبات العنب السوداء اللذيذة، وتغافل (الطايح) من وراء ظهره، وقال: "بيض الله وجهك على إشعال النار". فسأله: "هل صدت لنا عصافير؟". فرد عليه: "ستصيدك السباع يا كسول، لدينا تبغ".

تغير لون وجه أخيه وقال بغضب: "تبًا لك، لست فاسقًا مثلك يا منحرف". واندلعت معركة بينهما، ولأن (الطايح) كان قوي البنية، فقد غرس رأس أخيه في الفلج، وحلف بأغلظ الأيمان بأنه إذا لم يوافق على التدخين معه، فسوف يغرقه في الطين حتى يشبع، فاستسلم المسكين للتسلط.

طلب منه أن يستنشق من السيجارة، وأن يكتم الدخان حتى لا يخرج، وما إن استنشق النفخة الأولى، حتى دمعت عيناه، وتعالى صوت سعاله حتى سمعه أهل البيت والوادي، وشعر بدوار شديد في رأسه، فأسرع (الطايح) بالبراد إلى الكظامة وجاء بالماء، وما إن عاد حتى وجد والده واقفًا فوق رأس أخيه، فرمى (الطحطوح) السيجارة، فأمره والده بأن يلتقطها ويكملها، فاسودت الدنيا في وجهه وأظلمت، وصار لا يدري هل يدخن من فمه أم من مسامات جلده، فالدخان يتصاعد من دماغه ومن أحشائه، وبعدما انتهى، سمع عبارة والده: "موعدنا إذا غربت الشمس في البيت".

عرفت الجدة بما حدث، خاصة عندما رأت ابنها ينزل العَرقة ويتفقد الجازل، ولأنها لم تكن تحب (الطايح) لكثرة تفتيشه لخزانتها، تمنت له سوءًا، وبينما هم يحتسون القهوة قبل المغرب، نسيت قرصها في فنجان القهوة المحوكر، فقالت زوجة ابنها: "قرصك ذاب بالكامل". فمدت لها الجدة قائلة: "لا أريده، خذيه أنتِ، أنتِ كلها قمامة".

اختبأ (الطايح) وراء أكياس الحنطة، فلاحظت الجدة أن القطة تدور وتتموء، فحركت رأسها لابنها في إشارة فهم مقصودها، فمد ذراعه وجذبه بثوبه وسحبه إلى عند الزافر، اتفقت أمه معه على أن يوثقه ولا يجلده، ثم قامت أم البيت بتحضير العشاء. فقال زوجها: "دعونا نصلي ونتعشى". فقالت العجوز: "نصيحة بدو، تعشوا أولاً، فالصلاة لا تأكلها القطة، ولكن إن صليتم وعشاءكم في الصحن، فاطلبوا من الله العوض".

لم يحتمل (الطايح) الإهانة، خاصة عندما صفعه والده لطمة تركت أصابعه مطبوعة على خده، وقال: "أقسم يمينًا أنك لن تفلح يا ساقط، وهذه دقني إن أفلحت، لن تكون أفضل من أخيك (الطحطوح)". فعزم على الرحيل، وقال: "والله لن أعود إلا عند خالي". تعاطفت معه أمه، فأعطته عيديته ثلاثين ريالًا، وركب مع أهل اللواري في الصباح الباكر، وبعد سبع سنوات كان يتحدث بطلاقة مع الأجانب، ويسكن مع كبار الموظفين. أما (الطحطوح) فبقي في البلاد، يعمل ويكد ويتذكر أخيه الذي كان دائم الاستلقاء والراحة، وماتت الجدة والأب والأم، ونسي (الطحطوح) حتى الزواج أو زهد فيه، وكان يمر بغنمه على قبر جدته ويقول: "الظاهر يوم جاء مقسم الأرزاق يا جدة، لقي أخي (الطايح) ولم يجدني، كنت في الوادي، مع الصباح المشرق، والعندليب المغرد".

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة